الثقب الأسود (٣)
- سامح
- May 25, 2023
- 4 min read
صنعتُ فنجاناً من القهوة لصديقي الظلالي ... ارتشفت القهوة و استمتع هو باحتساء ظل الفنجان و سألني:
ماذا تعمل يا صديقي…؟
اعمل مهندساً في شركة انظمة متكاملة عريقة…
احكي لي عن عملك…
لست في افضل حال…
لماذا؟
لأنني افعل اشياء اندم عليها بعد ذلك…
مثل ماذا؟
مثل انني بكتُّ (قرعته يعني)، بكتُّ بشدة ذلك المهندس الشاب، مسحت بكرامتة بلاط المكتب فقط لأنه يخطئ اخطاء الهواة … لماذا لا الفت انتباهه بهدوء او اقبل انه يخطئ كما انا… الا انني ثرتُ لحق صاحب الشركة الذي استأمنني على هذا الفريق لاخرج منهم افضل ما فيهم و اقف بالمرصاد لأي تهاون مهما كان بسيطاً حتى لا يستشري التسيب…
ماذا ايضاً؟
ارسلتُ بالامس رسالة بالبريد الالكتروني فنّدتُ فيها اخطاء مدير المشروع (فرشت له الملاية بالذوق و الطريقة) و ذلك رداً على رسالته التي المح فيها لضعفي الفني في مجال مراكز البيانات … و كمان مسيِّس (اي ارسل نسخة كربونية CC ) مديري المباشر كأنه بيقول له شوف رجالتك… الصراحة ظبتطه… بالذوق و الطريقة انما ايه، إيميل صاروخي لا يخطئ الهدف…
تقصد انك متحفز و عنيف قليلاً…
قال مديري انني Overacting … بيقول لي انت هلهلت مدير المشروع و حطتني في موقف حرج…
طب ليه شايف نفسك غلطان؟
لأن المحبة تتأنى و ترفق… لأن فيه فرق بين انك تساعد حد يبقى افضل و انك تمسك حد متلبس بالخطأ عشان تبين نفسك…
ده بيزنس موش محبة يا هندسة …
و احنا بنشتغل عشان نعمل بيزنس و فلوس ولا عشان نطبق المحبة و نتعلمها؟
انت مسيحي؟ بتتكلم زيهم…
انا مسيحي بس موش شبه المسيح…
ليه بتقول كده؟
لأن كلام المسيح واضح … أحبوا اعدائكم … إن أخطأ اليك اخوك فاذهب و عاتبه بينك و بينه… فتيلة مُدَخِّنة لا تطفئ … انا مهندس بينفذ اللائحة و قواعد الادارة و يعمل لمصلحة صاحب العمل لتجنب انتشار الفوضى و التسيب و الاهمال… و الحقيقة انني اعمل لمصلحتي امام صاحب العمل عشان اترقى و مرتبي يزيد و اتجنب ال… نقول ال… بص هي اسمها الخوازيق موش لاقي كلمة بديلة… لتجنب الخوازيق الحاضرة و المستقبلة (اللي هاتيجي في المستقبل يعني)...
بص المبادئ الاخلاقية واحدة و متشابهة جداً في علم الادارة الحديث و بين الاديان كلها تدعوا للتشجيع و بيئة العمل الصحية والعطاء…
المسيح في مكان تاني لوحده … و الحقيقة لو حاولت تعمل زيه ما تعرفش …
موش فاهم …
التعاليم الانسانية كلها و اسمى ما فيها عند كل الاديان و الفلسفات يظل كلاماً على ورق و يظل على الارض ارضياً و يحمل في داخله عوامل فناء كل نمو مبني عليه لأنه محدد بسقف البشر، بسقف المادة ، بسقف الانسانية، بينما لابد لنا ان ننمو نحو السماويات (اعني ما هو فوق البشري) اذ ان الثبات عند سقف الانسانية لا يوقف عملية النمو و اذ يظل السقف حائلاً دون نمو الانسانية فانها تنهار تلقائيا لتحاول النمو من جديد… هذا ينطبق على الفرد و الجماعة و الحضارة و الوطن ايضاً…
واو… انت بتقول كلام موش مفهوم بس شكله حلو…
ببساطة لازم الانسانية تطلع، تسمو للصليب حتى تنمو… قول مثلاً "البر" … قول "اليد العليا"… قول "العطاء"… قول "القسط"… قول "الحكمة و الموعظة الحسنة "… قول "المقاومة السلبية" زي غاندي… قول زي ما تقول ... دي انسانيات مهما كانت سامية و عادلة و مقسطة و لينة لابد ان تعود بالانسان لنقطة الصفر ما لم تسمو … مثال: البر و القسط و الجواب اللين ، هذه كلها تنتهي بمجرد ان يرفع من تبرّه السلاح عليك او ان تملك انت القوة الطاغية او الاغلبية لتغيير ما تراه منكراً او كفراً … هنا "اعدوا لهم ما استطعتم من قوة " ، اعلان حرب يعني، لا يستمر الامر شورى بينهم بل نقاتل لأجل اقامة دولة العدل و المنتصر هو الامير حتى لو قُتل الأخ و هو يصلي ... الاخوة و المحبة و العيش المشترك ينتهي عند "من تولهم منكم فهو منهم"… ينتخبوا مسيحي ازاي و مسيحي يبقى قائد جيش او رئيس دولة ازاي ... ماتكلمنيش بقى عن حريات و تداول سلطة مهما اصبح المجتمع متحرراً او مدنياً … بقول لك مثال بسيط واضح يعني موش قصدي سياسة … المسيح في حتة تانية و ماينفعش تعمل زيه و لا تفهمه غير لما تقرب منه … "محبة الاعداء" و "حملان وسط ذئاب" و "اترك له الرداء" … دي حاجات من فوق … لازم ياخدك هو لفوق عشان تبقى شبهه … و لما تطلع فوق ، لازم تطلع بالصليب … فاهم يا ظلالي؟
ما يجب ان تفهمه، هو ان النقطة المضيئة لا يمكن ان تستمر مجرد نقطة و الظل المحيط لا يمكن ان يبقى ظلاً … إما أن تتسع النقطة المضيئة لتصبح شمعة ثم مصباح او تختفي النقطة و يسود الظلَ ظلامٌ باردٌ لا حياة فيه، كما لروبوت الذكاء الاصطناعي الذي يحفظ تعليمات السلوك طبقاً لفضائل الانسانية السامية … لابد له ان يضلَ الطريق و يدمر نفسه و الآخرين مهما تعلم و مهما صار ذكياً و سامياً ما لم تقُده تلك الفضائل و المعرفة نحو صانعه ليجعل منه انساناً لو استطاع و يسير الانسان نحو خالقه في اتضاع و ايمان ليجعل منه ملاكاً منيراً و يظل يسمو و ينمو بلاتوقف لانه ما ان يتوقف حتى يبرد و يقبح و يدمر نفسه ذاتياً إذ أنه لا يمكن ان يظل ثابتاً و لا أن يعود الى ما كان عليه… طريق النمو و التطور،انما هو مسار اجباري و طريق ذو اتجاه واحد لا "دوران للخلف" فيه…
فجأة اختفى الظلالي ... كان التيار الكهربي مقطوعاً و حينما اضاءت غرفتي بغتة مع عودة التيار كان صديقي قد اختفى ... أطفأت كشاف هاتفي المحمول و اسرعت لشحنه قبل ان تنفذ بطاريته ... لابد ان صديقي عاد الى مخرَّته "شربمهانة" ...
تُرى ، متى سيأتي ثانية؟
Photo found on Wix

Comments