أيام غربتي
- سامح
- Mar 28, 2023
- 4 min read
المشهد الاول: قهوة السوايسة ،حي الكوربة، القاهرة
"تعال تعال انا هنا يا ماجد، قهوتك سادة اليس كذلك؟ "
"اتنين قهوة سادة من فضلك يا عماد…"
"هل تذكر باسل صديقنا؟ … انني اتعجب حقاً كيف يمكن لانسان ان يظل يعمل ثلاثين عاماً في نفس الشركة."
"اظنك تعرفه… لقد عمل بجدٍ متواصل كمهندس انظمة تحكُّم (Control Systems) لمدة ثلاثين عاماً لم يتغيب يوماً و لم يحصل على اجازة (غير الاجازات الرسمية طبعاً) من شركته العريقة في مجال انظمة التحكم."
"هو الآن كبير مهندسين و تحت يده فريق من المهندسين الشباب، يدير بهم المشاريع بحرفية شديدة و يديرهم ايضاً بحنكة يُحسد عليها. "
"باسل يقرِّب منه فقط من يظنه اهلاً للثقه و يرفع من شأنه امام الادارة و يضمن له زيادات سنوية منتظمة و مكافآت و ترقيات و الاهم من كل ذلك انه ينقذه من السقطات الفنية و الادارية التي يمكن ان تطيح بحياته المهنية كلها في لحظة … "
"هو ايضاً لا يعدم و سيلة للتنكيل بمن يظن في نفسه انه ذكياً او مميزاً. ليس حسداً منه و لكنه يفعل ذلك حتى ينسجم الشاب المتحمس مع الفريق و لا يجرؤ ثانية على التصرف من تلقاء نفسه فيفسد كل شيئ. "
"أما من يقترب من باسل بخبث ليتعلم منه على امل ان يزيحه عن مكانه، فهو حالم ولا يدري مع من يتعامل و حتماً سيلقى مصيره المحتوم… أجل، لا تهاون مع التفاحة الفاسدة…"
"ثم… ثم من يمكنه ان يزيح باسل عن مكانه؟ هل تمزح؟ لقد شابَ في هذا العمل و يعرف جيداً متى ينزل بنفسه للموقع و ينجز العمل على اكمل وجه و متى ينتظر حتى يسقط الشاب المجتهد في الخطأ و يتدخل هو لينقذ الموقف…
لقد حفظ السيناريو و يجيد استخدامه و ذلك حق له بحكم الايام و السنين و الاجتهاد و الولاء المطلق للشركة… انها الخبرة يا صديقي…"
"اليوم يا ماجد … اليوم آخر يوم له في الشركة التي قضى عمره في خدمتها…"
المشهد الثاني: في مكتب الشركة بمنطقة كلية البنات، القاهرة
باسل متأملاً:
"المكتب حولي مكتظ بشباب جدد ممتلئين حماسة و قوة و لكن للاسف ينقصهم المفتاح للنجاح و هو اهم عامل، تنقصهم الخبرة … الخبرة… لماذا لا يحتفظون بي كخبير… عندي الكثير لاعطيه لهم…"
تذكر باسل انه لم يعط أحداً من قبل تلك المفاتيح التي دائماً ما يحتاجها الفريق لينهي العمل و يسلم النظام كما يفعل كبير الطهاة الذي يحتفظ لنفسه بعدد قليل من الوصفات والاضافات التي لا يعرفها أحد غيره لكنهم دائماً يحتاجونها…
"ماذا سيفعلون حينما يبدأ التشغيل دون ضبط اعدادات المعالج المركزي (Central Processor)؟ لا احد يعرف…"
"هؤلاء الشبان لا يعرفون البريد الالكتروني الخص ب چوناثان، الشاب الانجليزي الذي يرسل لي دائما تحديثات النظام… لمن سيتحدثون اذن بعد ان امضي ؟…"
"نظام الاضاءة في مشروع الفندق لن يعمل لانه يعمل على بروتوكول KNX ، بينما المهندس الشاب الذي يقوم بتركيب النظام لا يعرف انه يجب ان يستخدم جهاز KNX Gateway مع نظام التحكم. انا طبعاً لم اخبره الى الان لكي اتدخل حينما تتعقد الامور مستخدماً الجهاز الذي احتفظ به في مكتبي لينقذ الموقف وليعرف الجميع ان المهندس الشاب لازالت تنقصه الكثير من المعرفة… يا لهم من مساكين ماذا سيفعلون بدوني ؟ …"
"لابد انهم سيتصلون بي حينما يحدث هذا و سآتي ثانية لمكتبي و سيدركون حينئذ ، انه لا غنى عن وجودي حتى بحالتي الصحية المتأخرة…"
"قد افتقد المكتب و الموقع و الكل الا انني لست حزيناً، هذه هي الحياة… انني سعيد حقاً بما انجزت"
"لقد بنيت بيتاً من اربعة ادوار لي و لاحفادي و املك شاليهاً صغيراً لكنه رائع في الساحل الشمالي و سيارتي تيوتا كورولا سعرها يقارب النصف المليون جنيه بعد التضخم وهي بحالة رائعة حمداً لله…"
"ادرت حياتي و اموالي بحكمة و وضعتها في البيت و السيارة و الشاليه… باسعار اليوم هذه الممتلكات تساوي ثمان ملايين جنيهاً و سيزداد مع الزمن ثمنها"
"انا سعيد لان مينا اصبح مهندساً مثلي، لطالما اردت له هذا، لقد سافر الى المانيا و استلم مهام وظيفته و اتمنى ان يعمل تحت ادارة مهندس متفهم و هادئ مثلي"
"مارينا لم تُرِد ان تسكن معنا و استقرت مع زوجها في حي الزيتون، لا اعلم كيف تفكر هي و زوجها لتختار ان تترك بيتنا الرحب في العبور و تسكن في شارع سليم، الامور تغيرت و لم يعد حي الزيتون كما كان… انا واثق من انهم سيعودون يوماً و يسكنون معنا"
"ميخائيل انصاع لرأي زوجته و سكن في شقة في مساكن الشباب، فقط كي لا يسكن في بيت عائلة. ماذا في بيت العائلة ؟ هو حرٌ هو و زوجته ليفعلا ما يريدان"
"ان لم يرد احد البيت فسأعرضه للبيع و انشئ شركة بثمنه و اثبت للجميع انني مازلت قادراً على العمل… حتى ان لم اجد مشترٍ بسعر عادل بسبب ظروف السوق هذه الايام فانني سأبحث عن عمل كاستشاري انظمة تحكم و حتماً سأجد مكاناً مناسباً و لو بعد حين"
"او اقضي الوقت مع زوجتي دميانة الجميلة الهادئة، اعتدت ان احكي لها عن عملي و كانت دائماً تسمعني و تشجعني، انها تفعل هذا بحب منذ ان تركَتْ عملها كمهندسة معمارية منذ حوالي… منذ حوالي، عشرين او خمسة عشر سنةٍ. لا أذكر"
"أنظر يا الهي، أنظر… ماذا فعلت حقا بحياتي ؟ ماذا اعرف عن نفسي سوى انني مهندس انظمة تحكم ؟ ماذا اعرف عن دميانة و الاولاد سوى انهم اسرتي ؟ ها انا اترك الشركة اليوم و سأترك العالم كله غداً أو اليوم ايضاً لست ادري… ماذا افعل ببيت و سيارة سيوزعون ثمن بيعهم على ورثتي بعد موتي ؟ ايام غربتي قليلة و رديئة كما قال يعقوب …"
المشهد الثالث: …..
متروك لك عزيزي القارئ … أكتب ما تتوقع أن يحدث في تعليق هنا بالأسفل …
Photo found on smartasset.com

Comments