بنات أفكاري

يستخدم الأدباء العرب تعبير "بنت الفكر" للإشارة الى ما ينتجه العقل من افكارٍ ومعانٍ هي في اصلها داخل عقولهم ولا يمكن لأحد ان يراها او يعرفها او يتعامل معها بالقبول او الرفض او التحليل مالم تخرج هذه الافكار من العقول في شكل كلمات …

يغني عبد الحليم قائلاً "يا كلمتي لفي ولفي الدنيا طولها وعرضها"…

هذه الكلمة - بنت فكر الشاعر- هذة الإبنة تتجسد في شكل موجات صوتية اذا القاها الشاعر على مسامع الناس.

هذه الكلمة - بنت فكر الشاعر- تتجسد في شكل حبر مقروء اذا القاها الشاعر على ورقة بيضاء.

هذه الكلمة - بنت فكر الشاعر- تتجسد في شكل اشارات كهربية يمكن بثها عبر الانترنت اذا القاها الشاعر على كاميرا ومايكروفون لتصبح مسجلة ويعاد انتاجها ملايين المرات وتظهر للكثيرين حاملة فكر الشاعر واراءه مسموعة مرئية.

في العصر الحديث … يمكنك الآن أن تنقل كل خبرتك ومعرفتك الى معالج رقمي (جهاز كمبيوتر يعني) عن طريق الذكاء الاصطناعي … تعلمه كل ما تعرف …

اذا فعلت هذا (نقلت خبرتك ومعرفتك للذكاء الاصطناعي) … يمكن وضع معرفتك هذه في إنسان آلي او سيارة او شخص محاكي لك Virtual على موقع الكتروني…

هذا الانسان الآلي او الشخص المحاكي لك يحمل كل افكارك وخبرتك ويمكنه التعامل مع الآخرين واتخاذ القرارات كما لو انه انت…

ماذا يمكن ان نطلق على العلاقة بين هذا الشخص المحاكي وبينك؟

ببساطة، انه ابنك المولود منك…

لم تتزوج حتى يكون لك ابن هو من نتاج عقلك او ابنه هي بنت فكرك متجسدة على ورقة او على شاشة موبايل…

تلقي كلمتك على كاميرا موبايل فتتجسد في شكل صورة وصوت…

افكارك وكلماتك المتجسدة قد تسافر ملايين الأميال ولكنها لا تنفصل عنك…

اذا كنت في اجتماع اونلاين فإن افكارك وكلماتك تتجسد مباشرة للآخرين وتستطيع انت التفاعل مباشرة معهم كما لو انك تجلس معهم في نفس الغرفة… انت وصورتك المتجسدة (افكارك وكلماتك المولودة منك)، انت وصورتك واحد.

في المستقبل القريب، ربما سيتمكن العلماء من اختراع شريحة الكترونية تُزرع في الرأس أو ساعة رقمية تضعها على معصمك… هذه الساعة (او الشريحة) تتبادل المعرفة والخبرات والافكار تلقائياً بينك وبين الشخص المحاكي لك (الذي هو ابنك المولود منك دون ان تتزوج) تلقائياً …

هل يصعب على الله اذن ان يتحدث الينا في ابنه المتجسد؟

لماذا لا يمكن ان يكون ابن الله واحد معه؟

ان كنا نحن البشر نفعلها تلقائياً ونتعامل مع الفكرة ببساطة مع اننا قد لا نفهم كيف يحدث هذا تقنياً…

الا يليق بنا ان نقبل حب الله وعمله لأجلنا بنفس بساطة قبولنا لجهاز موبايل حديث وتقنية محاكاة بالذكاء الاصطناعي هي ليست ضد العقل ولكنها اعلى من قدرتي على فهمها كإنسان بسيط غير دارس للتكنولوجيا الحديثة مع انني اتعامل معها؟

لماذا لا نقبل حب الله اذن؟ لماذا لا نؤمن بابنه الذي ارسله الينا وهو واحد معه؟ لماذا يصعب علينا تقبل فكرة ان يعيش بيننا ويأكل ويتألم ويفرح ويحزن ويصلي ويموت لأجلنا ويقوم ويقيمنا معه من موت خطايانا؟

"وَفِي تِلْكَ السَّاعَةِ تَهَلَّلَ يَسُوعُ بِالرُّوحِ وَقَالَ: «أَحْمَدُكَ أَيُّهَا الآبُ، رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هذِهِ عَنِ الْحُكَمَاءِ وَالْفُهَمَاءِ وَأَعْلَنْتَهَا لِلأَطْفَالِ. نَعَمْ أَيُّهَا الآبُ، لأَنْ هكَذَا صَارَتِ الْمَسَرَّةُ أَمَامَكَ»."

الصورة من سلسلة حلقات The Chosen