ملحوقة
- سامح
- Dec 24, 2023
- 3 min read
Updated: Oct 19, 2024
واقعيين… لنكن واقعيين قليلاً ، ولئلا يظن القارئ أن كلامي نذير شؤمٍ عليه (بافوّل عليه لا سمح الله)… سأتحدث عن نفسي…
المشهد الأول:
أنا اعمل مدير مشروعات في شركة مقاولات هندسية كبرى، ويحمّلونني مسؤولية إدارة عدداً من المشاريع القومية مع اللجنة الهندسية للقوات المسلحة (يجعل كلامنا خفيف عليهم) … أنت لا تستوعب خطورة ما أقول بعد... أؤكد لك أنني أحمل فوق اكتافي مسؤولية مشاريع قومية هامة، ولي علاقات مع أناس مهمين (تصادف أنهم مهمون في مرحلة تاريخية معينة) يجيبوك من قفاك وانت نايم في بيتك تلاتة بالله العظيم حرفياً…
لي زوجة مسالمة وأطفال جيدون ، ونعيش في منزل جميل وعندنا سيارة ونذهب للغردقة كل إجازة حيث أسمع عن أبنائي وزوجتي أخبار وحكايات جديدة مسلية جداً... فكاهات وقصص لم يتسنَ لي سماعها بسبب انشغالي في العمل…
مشغول مشغول مشغول… أسعى وراء رزقي بإجتهاد وأمانة. ويعلم الله أنني أتصدق وأساعد الآخرين في العمل والحياة ولا أستطيع التوقف لحظة، لحظة واحدة عن العمل لأن حياة آخرين وأحلامهم مرهونة بنتيجة تعبي…
نعم بكل تأكيد! أنت تعرف أن اليد العليا خير من اليد السفلى ولكل مجتهد نصيب وما توفيقي إلا بالله…
إنني متوفى. متوفى اليوم قبل الفجر … أُنظر كم هم حزانى؟! … أي والله يبكون بالدموع…
أصدقائي في العمل واللجنة الهندسية والأقرباء والزملاء كلهم حاضرون للتعازي… كم يحبونني حباً صادقاً وكم يعلقون عليّ العديد من آمالهم لإنجاز هذا وذاك…
زوجتي وابنائي، أنظر كم هم رائعون!؟… ليتني قضيت وقتاً اطول معهم … لا، لست نادماً أبداً فقد فعلت كل ما فعلت لأجلهم ليس لأجل شعور بتحقيق الذات أو لبحث عن مركز أو مال أو احترام وتقدير... الله يعلم أنني فعلت هذا لأجلهم لا لنفسي… الله يعلم انني ضحيت براحتي وحتى بوقتي معهم لأجلهم وهم ايضاً يعرفون ويقدرون…
لهم الآن رصيد جيد في البنك يكفي لمصاريف التعليم. لهم ڤيلا تمليك في التجمع بجوار المدرسة، وعندهم سيارة وشاليه في الغردقة … الحمدلله الذي قدّرني لأضمن لهم مستقبلهم فلا يحتاجون لأحدٍ بعد موتي…
هذا الرجل ممن كنت أعطف عليهم، ولطالما قضيت له أموراً ، وتوسطت له لحل مشاكله ومشاكل ابناءه… آخر مرة مسكوا ابنه بحشيش وطلعته بالتليفون وانا في مكتبي والله زي ما بقولك كده… العلاقات حلوة برضه وتخليك تقدر تساعد الناس…
هذه الأرملة كنت أرسل لها ظرفاً مع السائق كل اول شهر…
هذه الزاوية الصغيرة قرب المكتب في هذا الركن تحديداً كنت أصلي فرضاً بفرض ، هذا المكان يشهد لي أنني لم أفوت فرضاً…
الحمدلله قد حفظت الامانة إلى اليوم الاخير… الله حقٌ عادلٌ وكريم لا يضيع أجر من أحسن عملاً... هل يمكن أن أراه؟ أستغفر الله... حتى جبريل لم يقدر أن يقترب... أستغفر الله...
أُنظر… كل هؤلاء في جنازتي… ينصبون صوان العزاء ويحضر اناس كثيرون من معارفي واقربائي ويواسون زوجتي وابنائي ويردون الجمايل… الحمدلله… الحمدلله…
يحق لي الآن أن استريح من جميع أتعابي وأسعد برؤية الاحباء الذين سبقوني وأنال نصيبي من المتعة واللذة الأبدية التي لم أنلها في حياتي المثالية على الارض…
المشهد الثاني:
ما هذا الفراغ اللامتناهي؟ ماذا سأفعل حتى يوم البعث؟ لابد أن تأتي الملائكة وتحملني إلى مكان مريح يناسب مافعلته من خير في حياتي… ليس كالشهداء والأنبياء طبعاً لكنني أفضل من كثيرين بفضل الله…
المشهد الثالث:
إنزل من هنا لتستأنف حياتك على الأرض…
ماذا فعلت؟ أظنني قد أنهيت كل واجباتي على أكمل وجه حسبما سمح وقتي…
أحدهم طلب لأجلك…
ماذا فعل؟ دعا الله علي أم دعا الله لأجلي؟… أستغفرُ الله العظيم لابد أن هناك خطأ ما…
ارجع حالاً…
المشهد الرابع:
أرجو قبول استقالتي من منصبي بداية من تاريخه وتفضلوا بقبول مزيد الشكر وفائق الاحترام…
Photo found on Wix

Comments